الهجرة غير النظامية في تونس: بين الاتهامات والواقع الاقتصادي

0
49
الهجرة غير الشرعية في تونس

تواصل قضية الهجرة غير النظامية في تونس إثارة الجدل والتوتر بين مختلف الأطراف. فمن جهة، يُعبّر المواطنون عن مخاوفهم الأمنية، بينما تمارس المنظمات الدولية ضغوطًا لتحويل تونس إلى بلد استقبال للمهاجرين من جنوب الصحراء، مما وضع السلطات التونسية تحت وطأة الانتقادات.

اتهامات خطيرة موجهة لتونس

أصدرت منظمة مناهضة التعذيب تقريرًا يغطي الفترة من مايو إلى أكتوبر 2024، يتهم فيه تونس باستخدام أساليب عنيفة ضد المهاجرين من منطقة جنوب الصحراء، بما في ذلك حالات عنف ضد القُصّر وجرائم قتل. ولم تكن هذه الاتهامات جديدة؛ ففي يوليو 2023 وقع الاتحاد الأوروبي اتفاقًا مع تونس لتقديم مساعدات بقيمة 105 مليون يورو على مدى ثلاث سنوات مقابل خفض أعداد الهجرة غير النظامية، الأمر الذي أثار احتجاجات واسعة من قبل المنظمات غير الحكومية الدولية التي اعتبرته انتهاكًا لحقوق الإنسان.

تصاعد المزاعم الدولية

ذكرت صحيفة “ذا غارديان” أن بعض أفراد الحرس الوطني التونسي تورطوا في جرائم اغتصاب جماعية وتعاونوا مع ممرّين للمهاجرين، مما دفع المفوضية الأوروبية إلى إعادة تقييم سياستها التمويلية تجاه تونس. وأصبحت شروط احترام حقوق الإنسان ضرورية لاستمرار تلك المساعدات، كما يعتزم الاتحاد الأوروبي تشكيل لجان فرعية لإعادة النظر في العلاقة مع تونس.

التدخل البريطاني والرد الأمريكي

امتدت القضية لتكتسب بُعدًا دوليًا، إذ اضطر وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إلى زيارة تونس يوم 31 يناير 2025 للقاء نظيره التونسي، محمد علي نافيتي، ورئيس الجمهورية قيس سعيد. وخلال الزيارة، نُشرت لقطات تُظهر لامي على الساحل التونسي وهو يشرح تفاصيل الدعم اللوجستي الذي قدمته بريطانيا، حيث خصصت لندن مساعدات بقيمة 6 ملايين جنيه إسترليني لتعزيز الرقابة على الحدود البحرية ومنع الهجرات غير القانونية إلى أوروبا.

وفي الوقت ذاته، دعا النائب الأمريكي جو ويلسون دونالد ترامب إلى وقف كافة المساعدات المالية الموجهة إلى تونس، متهمًا الحكومة التونسية بممارسات عنصرية وعدم احترام لحقوق المهاجرين. ومما يزيد الطين بلة، فإن إدارة ترامب قامت مؤخرًا بتكثيف عمليات ترحيل المهاجرين غير الشرعيين، خاصة نحو المكسيك، وأعلنت عن استخدام سجن غوانتانامو لاحتجاز المخالفين المرتبطين بجرائم أو بتجارة المخدرات.

تونس في مواجهة ضغوط الهجرة والآثار الاقتصادية

على الرغم من حدة الانتقادات، نجحت تونس في عام 2024 بتقليص حالات خروج المهاجرين غير النظاميين بنسبة 80% وخفض عدد العبور البري بنسبة 84%، وفقًا لتقارير فرونتكس، بفضل التدابير الوقائية التي نفذتها السلطات التونسية والليبية. إلا أن الجمعيات المحلية والدولية تُدين هذه السياسات المتشددة، معتبرةً إياها انتهاكًا لحقوق الإنسان. فمنذ عام 2012، تعمل مؤسسات المجتمع المدني بدعم من منظمات دولية على تسهيل استقبال المهاجرين وترتيب عبورهم إلى أوروبا، إلا أن حجم هذه الظاهرة أثار توترات اجتماعية، خاصة في صفاقس التي تُعد البوابة الرئيسية للهجرة إلى إيطاليا.

عبء اقتصادي واجتماعي على تونس

أظهرت دراسة أعدها الخبير المالي مراد حطاب أن حوالي 50,000 مهاجر غير نظامي يعيشون في أربع مديريات فقط من ولاية صفاقس، مع تركز 20,000 منهم في منطقتي جبينية والعامرة. ويُقدر العبء المباشر لهذه الظاهرة بحوالي 70 مليون دينار سنويًا، في ظل ميزانية تنموية لا تتجاوز 60 مليون دينار. وتفاصيل التكاليف تشمل:

  • الصحة: 200 دينار سنويًا لكل مهاجر.
  • السكن: 600 دينار سنويًا (ما يعادل 50 دينار شهريًا).
  • الخدمات العامة: 360 دينار سنويًا (30 دينار شهريًا).
  • الصرف الصحي والنظافة: 50 دينار سنويًا.
  • تكاليف أخرى (التعليم، الإدماج، الأمن، البنية التحتية): 150 دينار سنويًا.

كما يُقدر العبء غير المباشر، خاصة الخسائر الزراعية الناتجة عن احتلال الأراضي الزيتونية من قبل المهاجرين، بنحو 250 مليون دينار، ليصل الإجمالي إلى 300 مليون دينار سنويًا.

جهود غير معترف بها دوليًا

على الرغم من رفض تونس لإنشاء مراكز احتجاز للمهاجرين مثل تلك التي نفذتها إيطاليا في ألبانيا، فإنها لا تزال تواجه موجة من الانتقادات. فبالرغم من توثيق العديد من المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية لحالات العنف ضد المهاجرين، لم يُسلط الضوء بنفس القدر على الاعتداءات التي يتعرض لها المواطنون التونسيون. وتطالب السلطات بمزيد من الدعم المالي لإدارة هذه الظاهرة بفعالية وضمان احترام حقوق الإنسان، بينما يعتبر كل من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا أن المساعدات الحالية غير كافية في ظل تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية.

خاتمة: أزمة متعددة الأبعاد

أصبحت الهجرة غير النظامية في تونس تحديًا كبيرًا على الأصعدة الأمنية والاقتصادية والسياسية. وبينما تتواصل الاتهامات بانتهاكات حقوق الإنسان والضغوط الاقتصادية، تحاول تونس تحقيق توازن هش في مواجهة واقع متعقد. ومن الضروري أن تأخذ أوروبا والمنظمات الدولية بعين الاعتبار التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الظاهرة، والعمل على إيجاد حلول مستدامة تحمي حقوق المهاجرين والمواطنين التونسيين معًا.

LEAVE A REPLY

Please enter your comment!
Please enter your name here