نشرت صحيفة الواشنطن بوست تقريرًا تناول فيه التطورات الأخيرة في سوريا وربطها بتداعيات الربيع العربي. التقرير أشار إلى دور كل من السعودية والإمارات في قيادة الثورة المضادة بالمنطقة، خصوصًا في تونس واليمن ومصر وليبيا، وكيف أثرت سياساتهما على التغيرات السياسية التي تلت الانتفاضات الشعبية.
بحسب التقرير، فقد كانت مشاهد الأسبوع الأخير في سوريا تذكيرًا بأيام الربيع العربي الأولى، حيث أطاحت قوى المعارضة بنظام بشار الأسد، مما أدى إلى فراره إلى موسكو. في الوقت ذاته، أطلقت الحشود السورية سراح المعتقلين السياسيين بعد اقتحام سجون النظام، وهي لحظات أعادت الأمل بانتقال سياسي طال انتظاره. ومع ذلك، كانت دول عربية مثل السعودية والإمارات تراقب الوضع بحذر خوفًا من فراغ السلطة، خاصة مع صعود جماعات إسلامية مثل هيئة تحرير الشام.
وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي صرّح قائلاً: “نحن لا نريد أن تسقط سوريا في مستنقع من الفوضى”، وذلك خلال اجتماع في العقبة بحضور وزراء خارجية المنطقة ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن. الاجتماع هدف إلى مناقشة كيفية إدارة المرحلة الانتقالية في سوريا وضمان عدم انزلاق البلاد إلى حالة من عدم الاستقرار.
الدول العربية السنية، التي كانت حذرة من الجماعات الإسلامية، أصدرت دعوات علنية للسوريين للحفاظ على مؤسسات الدولة والعمل على انتقال سياسي شامل. وفي تطور لافت، اجتمع سفراء سبع دول عربية مع ممثلي هيئة تحرير الشام في دمشق هذا الأسبوع، حيث حاول المتمردون طمأنة السفراء بأنهم يسعون لعلاقات إيجابية ومستقرة. ووفقًا لدبلوماسي طلب عدم الكشف عن هويته، فإن الرسالة كانت واضحة: “نريد بناء علاقات إيجابية مع الدول العربية”.
التقرير أشار إلى أن السعودية والإمارات، اللتين قادتا الثورة المضادة عقب الربيع العربي، تشتركان في القلق من حالة الفوضى في سوريا. هشام يوسف، الدبلوماسي المصري السابق، قال إن كلا الدولتين استخدمتا مواردهما المالية الكبيرة لدعم الأنظمة الاستبدادية وإحباط الانتفاضات الشعبية في المنطقة. ومع ذلك، فإن التحركات الأخيرة تُظهر تغيرًا في نهج الدول العربية تجاه الأزمة السورية، إذ بدأت في استعادة العلاقات مع نظام الأسد بعد سنوات من العزلة.
الواشنطن بوست أكدت أن عودة الأسد إلى الجامعة العربية العام الماضي خلال قمة جدة كانت جزءًا من جهود عربية لإعادة تأهيله، لكن الأسد خيب آمال الداعمين الجدد. علي الشهابي، رجل الأعمال السعودي المقرّب من العائلة الحاكمة، قال: “بشار لم يفِ بأي من وعوده. العلاقات ظلت متوترة خلف الأبواب المغلقة”. التوقعات كانت تشير إلى أن الأسد سيعمل على الحد من النفوذ الإيراني ومكافحة تجارة المخدرات، لكنه فشل في تحقيق ذلك.
مع سقوط الأسد وصعود هيئة تحرير الشام، تجد الدول العربية نفسها أمام واقع جديد في سوريا، حيث تسعى للتعامل مع الجماعات المسيطرة على الأرض من دون تقويض استقرار المنطقة. عبد الخالق عبد الله، المحلل السياسي المقيم في دبي، قال: “عادة عندما يسقط ديكتاتور، نشهد فوضى”. وأضاف أن الإمارات قلقة من وقوع إنتاج المخدرات، الذي كان يمثل جزءًا كبيرًا من دخل النظام السوري، في أيدي الجماعات المسلحة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الجريمة في المنطقة.
في النهاية، خلص التقرير إلى أن الدول العربية تسعى لفرض نفوذها على الأرض في مرحلة ما بعد الأسد، لكنها تتحرك بحذر شديد. طارق النعيمات، المحلل السياسي الأردني، قال: “إذا كنت تريد الحفاظ على حدودك، عليك أن تتعامل مع قوى الأمر الواقع داخل سوريا”.