يواصل العجز التجاري في تونس تفاقمه، مما يكشف عن اختلالات هيكلية عميقة في الاقتصاد الوطني. وفقًا لمعهد الإداريين العرب للإنتاج، تكشف دراسة بعنوان “الواردات: أبعاد اتجاه متباين” عن تفاقم مقلق للميزان التجاري، الذي بلغ 16.728 مليار دينار خلال الأشهر التسعة الأولى من 2025، متجاوزًا 13.497 مليار دينار المسجلة في الفترة ذاتها من 2024، حسب بيانات المعهد الوطني للإحصاء. يعود هذا التفاقم أساسًا إلى ارتفاع الواردات بنسبة 5.4%، مقابل تقدم ضئيل للصادرات لا يتجاوز 0.03%.
يخفي الارتفاع العام للشراء الخارجي ديناميكية معقدة قد تشير إلى بدايات انتعاش اقتصادي. فالتراجع في واردات المنتجات الطاقية والغذائية يعكس انخفاض الطلب على السلع الأساسية. في المقابل، تشهد واردات المنتجات المعدنية والوسيطة والمعدات زيادة ملحوظة، مما يدل على تعزيز المدخلات اللازمة للإنتاج المحلي.
يُفيد هذا التراجع في الطلب على السلع الأساسية الميزان الغذائي، الذي حقق فائضًا قدره 620 مليون دينار في سبتمبر 2025. يدعم هذا الإنجاز انخفاض قيمة الواردات بنسبة 3.5%، خاصة في الحبوب، حيث بلغت الكميات المجموعة 11.780 مليون قنطار، ويعزى ذلك إلى الظروف الجوية الملائمة. أما قطاع الطاقة فيظل عبئًا ثقيلًا على العجز التجاري، إذ يمثل 48% منه. انخفضت الإنتاج اليومي المتوسط للنفط من 77 ألف برميل في 2014 إلى 27 ألف برميل حاليًا، بينما تراجع إنتاج الغاز بنسبة 9%. يعود تباطؤ الواردات الطاقية بنسبة 11.8% إلى انخفاض متوسط سعر برنت بنسبة 15% وانخفاض قيمة الدولار، مما يبرز هشاشة المكاسب الناتجة عن الظروف المواتية.
رغم هذه الهشاشة، يُظْهِرْ الاقتصاد التونسي علامات انتعاش إنتاجي، مدعومًا بارتفاع السلع الإنتاجية. زادت واردات المنتجات الوسيطة بنسبة 5.4%، وواردات المنتجات الاستثمارية بنسبة 22.1% مقارنة بارتفاعات أقل في 2024. يُسجِّلْ القطاع الصناعي، الذي يُشَكِّلْ 79% من الصادرات و71% من الواردات، ديناميكية متجددة. ارتفعت واردات صناعة النسيج والملابس والجلود بنسبة 3.5%، بينما شهدت الصناعات الميكانيكية والكهربائية زيادة بنسبة 15%. تعكس هذه التطورات استراتيجية للاستفادة من الواردات لدعم الصادرات وتعزيز الاندماج في سلاسل القيمة العالمية.







