تحيي تونس، اليوم الأربعاء 9 أبريل 2025، الذكرى السابعة والثمانين لأحداث 9 أفريل 1938، التي تُعد واحدة من أبرز المحطات في تاريخ النضال الوطني ضد الاستعمار الفرنسي. وتمثل هذه الذكرى تخليدًا لدماء الشهداء الذين سقطوا أثناء مظاهرتين كبيرتين خرجتا للمطالبة ببرلمان تونسي يُجسد من خلاله الشعب حقه في ممارسة السيادة الوطنية.
وقد انطلقت المسيرة الأولى من ساحة الحلفاوين بقيادة المناضل علي بلهوان، في حين انطلقت الثانية من رحبة الغنم بقيادة المنجي سليم. وتميّزت هذه الاحتجاجات بمشاركة المرأة التونسية لأول مرة في الحراك السياسي، ما جعل من هذا اليوم علامة فارقة في مسيرة التحرر الوطني.
لكن هذه المظاهرات ووجهت بقمع شديد من قبل قوات الاحتلال الفرنسي، أسفر عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى، إلى جانب شن حملة اعتقالات واسعة طالت عدداً كبيراً من المناضلين. وقد مثّلت هذه الأحداث نقطة تحول مفصلية في تاريخ تونس الحديث، إذ ساهمت في تسريع الوعي الوطني والتحضير لمحطات سياسية لاحقة، أدت في نهاية المطاف إلى الاستقلال في 20 مارس 1956، ثم إعلان الجمهورية يوم 25 جويلية 1957.
خلفية أحداث 9 أفريل 1938
يعود السياق العام لأحداث 9 أفريل إلى بداية الثلاثينيات من القرن العشرين، حين عانت البلاد من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، التي خلّفت تداعيات سلبية على الاقتصاد المحلي. وزاد التوتر مع تنظيم المؤتمر الأفخارستي بقرطاج وما تبعه من احتجاجات على خلفية “أحداث التجنيس”، بسبب رفض الأهالي دفن المجنسين بالجنسية الفرنسية في المقابر الإسلامية.
في ظل هذا المناخ، ظهرت نخبة جديدة من المثقفين الذين تلقوا تعليمهم في الجامعات الفرنسية، وكان على رأسهم الحبيب بورقيبة، الذي انضم إلى اللجنة التنفيذية للحزب الحر الدستوري التونسي، قبل أن ينشق رفقة عدد من رفاقه في مارس 1934 لتأسيس الحزب الحر الدستوري الجديد.
تمكّن الحزب الجديد من كسب تأييد جماهيري واسع، وانتشر نفوذه في مختلف جهات البلاد، بما في ذلك المناطق التي لم يكن للحزب القديم فيها أي تأثير. لكن نشاط قادة الحزب لم يدم طويلًا، إذ تم نفيهم إلى الجنوب في سبتمبر 1934، قبل أن يُفرج عنهم سنة 1936.
وفي 9 أبريل 1938، خرجت مظاهرات ضخمة مطالبة بإصلاحات سياسية جوهرية، خصوصًا ما يتعلق بإلغاء نظام الحماية الفرنسية وإحداث برلمان تونسي، لكن الرد الاستعماري كان عنيفًا، حيث تم قمع المحتجين بالقوة، وسقط عدد كبير من القتلى والجرحى، كما تم حظر الحزب الحر الدستوري الجديد واعتقال قياداته مجددًا.
وبقيت هذه الأحداث راسخة في الذاكرة الوطنية التونسية باعتبارها لحظة فارقة جسدت الإرادة الشعبية والوعي الوطني، وأسست لميلاد دولة مستقلة ذات سيادة.